لقمان عبد الله
الخميس 21 آب 2025
طلاب وأساتذة في جامعة صنعاء خلال اعتصام تضامناً مع قطاع غزة (أ ف ب)
بعد أعوام من الاستعصاء النقدي الذي لازم الاقتصاد في المحافظات الجنوبية اليمنية، يثير التحسّن الأخير في سعر صرف الريال المتداول في تلك المحافظات تساؤلات حول أسبابه ودلالاته. ففي حين اعتاد الشارع مساراً واحداً للانهيار والتضخّم، جاء هذا التحوّل المفاجئ ليشير إلى متغيّرات أبعد من مجرد قرارات تقنية للبنك المركزي التابع للحكومة الموالية للتحالف السعودي - الإماراتي.
ويرى مراقبون أنّ ما حدث يعكس توافقاً أميركياً – سعودياً على ضرورة وقف الانزلاق النقدي في مناطق «الشرعية»، خشية أن يتحوّل الأمر إلى تهديد مباشر للاستقرار الأمني والاجتماعي في تلك المناطق. وهكذا، يبدو أنّ التباين الذي حكم مواقف الرياض وأبو ظبي وواشنطن في الملف اليمني في أثناء السنوات الماضية، أخذ يتراجع أمام الحاجة المشتركة إلى ضمان وجود شريان اقتصادي قابل للحياة في الجنوب، يؤمّن مصالح الأطراف كافة.
على أنّ مراقبين يرون أنّ تحسّن سعر الصرف، والجهد الحكومي لتعزيز الاستقرار المالي في مناطق حكومة عدن، قد لا يقتصر أثرهما على الاقتصاد فحسب، بل يمكن أن يمثّلا أرضية لأي تحرّك عسكري برّي مستقبلي ضد حكومة صنعاء. إذ إنّ الاستقرار الاقتصادي سيتيح للسلطات الموالية للتحالف تأمين الرواتب والإمدادات الأساسية للقوات والسكان، ويخفّض الاحتكاك مع المدنيين، ما يمكّن من إدارة أي عملية عسكرية قادمة بكفاءة أكبر.
وفي ما يتّصل بالدلالات المباشرة، ورغم أنّ الخطوات التي اتّخذها البنك المركزي في عدن، وعلى رأسها تشديد الرقابة على سوق الصرافة وتوحيد قنوات تمويل الاستيراد ومنع التعاملات بغير العملة المحلّية في السوق الداخلية، أثارت حالة من الارتياح، فإنّ الاستقرار الطويل الأمد يظلّ رهن إصلاحات أعمق في مجال مكافحة الفساد، الذي مثّل ذريعة السعودية والإمارات في وقف مساعداتهما لحكومة عدن.
وكانت شهدت مناطق سيطرة حكومة عدن في الأسابيع الأخيرة تحسّناً ملحوظاً في سعر صرف الريال أمام العملات الأجنبية، حيث انخفض سعر الدولار من مستويات قاربت 2900 ريال إلى نحو 1600 ريال. والجدير ذكره، هنا، أنّ انهيار الريال اليمني لم يكن وليد اللحظة، بل جاء نتيجة تراكمات اقتصادية وسياسية منذ اندلاع الحرب في 2015، فاقمها عجزُ الميزان التجاري الذي بلغ في 2022 نحو 10.4 مليار دولار، مع ارتفاع حجم الواردات إلى أكثر من 12 مليار دولار، مقابل صادرات متواضعة لم تتجاوز ملياري دولار. وكانت تحويلات المغتربين والمنح والمساعدات، خصوصاً من الخليج، تسدّ جزءاً من هذا العجز، لكنّ المضاربات في سوق الصرافة وظاهرة الفساد الإداري والتجاري امتصّت جانباً كبيراً من هذه الموارد.
ومع تحسّن سعر الصرف أخيراً بفعل الإجراءات التي اتّخذها البنك المركزي في عدن، أعلن رئيس الحكومة الموالية للتحالف، سالم بن بريك، توجيه الوزارات والسلطات المحلّية باتّخاذ إجراءات عاجلة لضمان انعكاس هذا التحسّن على أسعار السلع والخدمات، لكن أي تحسّن لم يطرأ على ذلك الصعيد. إذ يبرّر التجّار ثبات الأسعار بارتفاع تكلفة المخزون القديم، بينما في حالات تدهور العملة كانوا يرفعون الأسعار فوراً. كما أنّ غياب الرقابة الكاملة على شركات الصرافة يتيح لها الاستفادة من الفارق بين السعر الرسمي وسعر السوق.